سلسلة……آية سياسة مغربية للحد من ظاهرة الهجرة نحو دول الاتحاد الأوربي : إسبانيا نموذجا

بقلم : الدكتور عبد العزيز موهيب
دكتور في القانون
الفقرة الثانية: المغرب شريك دولي وإقليمي في التصدي لظاهرة الهجرة
اعتبارا لكون الهجرة ظاهرة تكتسي بعد دوليا بالدرجة الأولى، قبل أن تمثل إشكالا وظاهرة إقليمية أو ثنائية بينية، خاصة مع دخول الألفية الجديدة، وكما هو معلوم يشكل الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، مناسبة لعقد اجتماعات رفيعة المستوى تمثل فيها دول العالم قصد تدارس الإشكاليات الدولية الملحة والتي تشكل موضوع الساعة، خاصة بحكم التحولات النوعية التي قد تطرأ عليها، ما يجعل من إشكالية الهجرة من بين أهم المواضيع التي خصص لها اجتماع على هامش الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة، حول موضوع: «الهجرة الدولية والتنمية: كفالة نجاح العملية». ومن أهم وأكبر دلالات هذا المعطى أنه يتوجب على المغرب باعتباره من الدول المحورية التي يؤهلها وضعها الإقليمي والدولي لتكون معنيا أساسيا بهذه الظاهرة من حيث أضرارها ومن حيث مناشدة الحلول والمعالجة، لذلك فكل حضور أو دور للمغرب في هذا الإطار ينبغي أن يقوم ويراعي أن المملكة المغربية هي قوة أساسية في تسطير المبادرات، كما أنها ليس دركيا لأوروبا بل شريك متقدم مع ضرورة معالجة إشكاليات الهجرة كظاهرة متعددة التجليات لا تقبل التجزيء .
وإذا كان المغرب قوة أساسية في تسطير المبادرات، فإن هناك مجموعة من العوامل والاعتبارات الجغرافية، والتاريخية، وعامل التجربة… إلخ تتضافر لتجعل من المغرب بلدا محوريا ومعنيا أساسي بظاهرة الهجرة، خاصة في صورتها المرتبطة بما يسمى المهاجرين – اللاجئين. أي أن هناك العديد من العوامل التي تشهد بدون شك إلى دخول المغرب في خانة الدول المعنية بعولمة التنقلات البشرية، وتجعله بالمقابل فاعلا أساسيا في تسطير وتفعيل المبادرات والسياسات الدولية والإقليمية للهجرة. لذلك، فإن أي دور للمغرب في هذا الإطار ينبغي أن لا يخرج ولا يحيد عن هذا المعطى وهذا المبدأ.
ونسجل أيضا في هذا الصدد المبادرة المهمة التي تصب في هذا الاتجاه، التي أقدم عليها المغرب على هامش الاجتماع المخصص للهجرة الدولية والتنمية « الهجرة الدولية والتنمية: كفالة نجاح العملية» المشار إليه أعلاه، التي دعا المغرب من خلالها إلى إقامة تحالف أفريقي للهجرة والتنمية بهدف تعميق رؤية إفريقية مشتركة حول الهجرة، وهي المبادرة التي يجب أن تقوم على منظور إفريقي مشترك، وعلى مبادئ إنسانية لقضايا الهجرة، وعلى المسؤولية المشتركة بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وكذا على الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية، وهو أيضا التوجه والمبدأ الذي على المغرب تكريسه إعلاميا ومن خلال كل الاجتماعات التي تعتقد في هذا الصدد بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، بما يكفل تعزيز عنصر الثقة كشريك موثوق ذو رأي مسموع .
بناء على المعطيات المشار إليها أعلاه، فإن المملكة المغربية ليس دركيا لأوروبا بل شريك متقدم، لكون فإن السياسة الجديدة للهجرة يجب أن تنطلق من كون معالجة هذه الظاهرة لن تتم ولن ينخرط فيها المغرب بفاعلية إلا إذا تم ذلك في إطار شراكة متعددة الأقطاب (إفريقيا – المغرب – أوربا) يلعب فيها المغرب دورا محوريا رائدا باعتباره المعني الأساسي بجعل آثارها وباعتباره مصدرا ومحطة ومعبرا، لذلك، فإن أي دور للمغرب في هذا الإطار لا يتوخى إقرار وتفعيل البعد التشاركي في علاقته بمختلف المتدخلين بعد مرفوضا من قبل كل الفئات الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى، فإن معالجة ظاهرة الهجرة لا تقبل التجزئة، لأن من أهم وأكبر دلالات هذا المعطى، أنه لا يجب على المغرب، باعتباره بلدا محوريا معنيا بظاهرة الهجرة في كل أبعادها، الانجرار وراء رغبة دول الاتحاد الأوربي خاصة الجارة الاسباني إلى توقيع أو تفعيل لاتفاقيات جماعية أو ثنائية بكيفية انتقائية في التعامل مع آثار هذه الظاهرة، وبما يخدم الأهداف والمصالح الأحادية للطرف الآخر أو الضفة الأخرى. بل إن معالجة ظاهرة الهجرة ينبغي أن يقوم على أساس شمولي في طرح إشكالاتها وآثارها، شمولي في تصور الحلول، شمولي في تسخير الإمكانات وتفعيل الآليات، سواء باعتبار الإشكاليات التي يفرضها على الضفة الأوربية كمحطة النهائية للهجرة، أو بالنظر لحجم وطبيعة التحديات المتنوعة التي تطرحها بالنسبة للمغرب، بحكم الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة بالنسبة له، كمصدر لها من خلال الجالية المهمة بأوروبا، وكذا باعتباره بوابة نحو هذه الأخيرة، ومحطة انتظار لكثير من المهاجرين لمعانقة الحلم الأوربي، وبذلك فإن أية مبادرة في هذا الصدد، يجب أن تتوخى وتراعي معالجة كل أبعاد ظاهرة الهجرة في سلبياتها وإيجابياتها .
خاتمة :
ما من شك أنه قد كان للسياسات المتشددة في مجال الهجرة ببلدان شمال المتوسط تبعات مباشرة على البلدان الواقعة جنوب الضفة مثل بلدان شمال إفريقيا، إذ بعد الانتقاد الشديد والضغوطات الأوروبية المتواصلة عليها لوقف الهجرة غير القانونية التي تتم عبر حدودها وأراضيها، انخرطت دول المغرب العربي في اتفاقيات أمنية ثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي، وسارعت إلى سن تشريعات وضوابط قانونية، تهدف مجملها إلى محاولة بسط رقابتها على هذه الظاهرة، وذلك كرافد من روافد تجسيد سيادتها على إقليمها وعلى كل من يقيم فوقه من المواطنين أو الأجانب، هذا وقد وقع المغرب في شراك هذه السياسة الأمنية من خلال توقيعه اتفاقيات إعادة قبول وترحيل المهاجرين مع عدد من الدول الأوروبية من جهة، ومن خلال سن قانون جديد سنة 2003 تحكم في وضعه الهاجس الأمني، مما فوت عليه الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والثقافية والإنسانية للمهاجرين أو للمقيمين الأجانب.
إن موقع المغرب القريب من أوروبا ساهم أيضا في تسهيل عملية انتقال مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء إلى الضفة الشمالية للمتوسط، وبحكم التحولات المتسارعة لظاهرة الهجرة، والأوضاع التي تعرفها بعض الدول الإفريقية، يضطر عدد من مواطنيها إلى الهجرة نحو المغرب إما شرعية أو غير شرعية. وقد أدى هذا الواقع الجديد إلى تغيير طال وصف المغرب، حيث كان يشكل في السابق محطة عبور إلى أوروبا، قبل أن يتحول في الوقت الراهن إلى بلد استقرار وإقامة. وفي ظل هذه التحولات التاريخية غير المسبوقة، وجد المغرب نفسه في مواجهة تحديات خارجية مرتبطة بتدبير علاقاته مع دول الجوار من إفريقيا جنوب الصحراء، ومع المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية المتابعة لموضوع الهجرة واللجوء، ونهج أحسن الخيارات لمعالجة القضايا ذات الأبعاد المتعددة والخيوط المتداخلة التي تتفرع عنها. وفي الوقت الذي اختارت في بلدان أخرى أن تبقي قضية الهجرة رهينة لمقاربة أمنية صرفة، اختارت التجربة المغربية الانتقال من مقاربة تجرم الهجرة إلى اعتماد مقاربة جديدة تحترم الالتزامات الدولية للمغرب وارتعي حقوق المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.
تم