24 أبريل، 2025

سلسلة تابع ……… آية سياسة مغربية للحد من ظاهرة الهجرة نحو دول الاتحاد الأوربي : إسبانيا نموذجا

بقلم الدكتور في القانون:
عبد العزيز موهيب
المطلب الأول: أبعاد السياسة الأوروبية لمحاربة ظاهرة الهجرة
تعد ظاهرة الهجرة من أهم الظواهر التي تم توظيفها ضمن سياق الأمن خاصة غير النظامية التي هي في الحقيقة نتاجا للوضع القائم في المتوسط الذي يجمع ضفتين توجد فجوة تنموية كبيرة بينهما، مما جعل من الهجرة ضرورة حتمية وليس خيارا، خاصة وأن مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة المتوسطية، وانطلاقا من عوامل الدفع والجذب تشيرو أن استمرار الهجرة خلال السنوات القادمة مرشحة للارتفاع، كما يصعب التحكم فيها أكثر فأكثر مما يؤشر سلبا على وضعيات المهاجرين. إذ على الرغم من الاختلافات القائمة التي تعرقل تنفيذ القوانين الدولة وحماية حقوق الإنسان وحقه في التنقل والبحث عن العيش الكريم، فإن عموم البلدان الأوروبية تسعى إلى تفعيل من المزيد من القوانين التي تقيد من حرية التنقل إلى الدول الأعضاء في الاتحاد وإلى تقوية آليات عمليات المراقبة بتعاون مع دول جنوب المتوسط المعنية بقضية الهجرة خاصة المغرب منها، الذي يبدي رغبة واضحة في الانخراط في سياسة الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة ، والتي تقوم على بعد أمني محض (الفقرة الأولى) ، لا يراعي بأي حال من الأحوال الجانبين الحقوقي والتنموي ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: البعد الأمني
تقوم الدول الأوروبية على الربط المستمر بين قضية الهجرة والقضايا الأمنية والجنائية، حيث يلاحظ أنه مازال هناك ميل عام لدى الاتحاد الأوربي إلى الربط بين الهجرة غير النظامية والجرائم الدولية كالإتجار بالبشر والإرهاب، وهو ما يعطي الانطباع بغير حق بأن الهجرة غير النظامية جريمة جنائية، شأنها شأن الجرائم الدولية المشار إليها، ففي حين أن تهريب المهاجرين يمكن أن يشكل جريمة جنائية، فإن الهجرة غير النظامية لا تشمل مثل هذه الجريمة، ولا ينبغي بالتالي الربط بينها وبين القضايا الأمنية والجنائية، كما أن التركيز على استعمال مصطلح «غير الشرعيين» في القاموس القانوني والسياسي الأوروبي يساهم في الحديث عن الهجرة بطريقة سلبية، ويفرز أيضا الصور النمطية السلبية للمهاجرين غير النظاميين التي تعتبرهم من المجرمين، وعلاوة على ذلك تشجع هذه المصطلحات على الحديث عن الهجرة كجريمة، ويساعد ذلك بدوره على زيادة العزلة والتمييز والتهميش للمهاجرين غير النظاميين، وقد يشجع أيضا على العنف اللفظي والبدني ضدهم، والإحجام عن تقديم المساعدة لهم، حتى ولو كانوا في وضعية خطر، بسبب العقوبات الجنائية المحتملة .
هذا فضلا عن زيادة التعصب والعنصرية ضد المهاجرين غير النظاميين كتعبير عن مرض قديم ومألوف بين الأوربيين، وهو مرض «كره الأجانب» – «الآخر»، والذي من المحتمل حسب العديد من الدوائر أن تؤدي الآثار الاجتماعية للأزمة المالية الحالية إلى تفاقمه، إذا لم يبادر الساسة ورجال الإعلام وكل من له تأثير في المجتمع الأوروبي لصياغة نموذج سياسي واجتماعي من أجل منع مثل هذه السلوكيات ، كل هذا دفع بالعديد من المهتمين بقضية الهجرة إلى التوصية بضرورة التعاطي الإيجابي مع ظاهرة التدفقات أو التفاعلات السكانية، وتجاوز «براديغم الهجرة» الذي هيمن على الرأي العام وصناع القرار الأوربيين واستبداله بـ «براديغم الحركة»، وهي المقاربة التي تنسجم مع التوجهات الحديثة للعديد من الأجهزة الأممية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أوصى في تقريره الصادر عام 2009 بدمج الهجرة في عملية التنمية . وكذا موقف المنظمة الدولية للهجرة الذي دعا بمناسبة انعقاد «الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية» عام 2013 إلى ضرورة إحداث تحول أساسي في النظرة العامة للهجرة، والنظر إليها على أنها مشروع يحتاج إلى إدارة وليست مشكلة يجب حلها، فضلا عن ضرورة الابتعاد عن النظرة الضيقة للهجرة وعدم مقاربتها على أنها مجرد هروب من الفقر مع تأثير سلبي على المجتمعات المضيفة، والاعتراف بالدور المهم الذي يمكن للمهاجرين القيام به كشركاء في تنمية البلدان المضيفة وبلدان الأصل، والتسليم بفوائد الهجرة والنظر إليها كعامل من عوامل التنمية .
وعلى الرغم من الجهود المبذولة إلا أن لا تزال المقاربة والنهج الأمني هو الطاغي، لأنه لا يزال التركيز في إدارة قضية الهجرة غير النظامية محصورا على مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوربي والإشراف عليها، وتركيز سياسات الاتحاد الأوربي في هذا المجال على تحديد وتطوير وتمويل التدابير التي تركز على الجوانب الأمنية للهجرة غير النظامية، بما في ذلك عسكرة وتحسين مراقبة الحدود الخارجية من خلال الوسائل اللوجستية والتكنولوجية العالية، وتوظيف التكنولوجيا الرقمية الحديثة لمراقبة الحدود، كالاستعانة بالسياجات الافتراضية التي تستعمل تكنولوجيا متطورة في مجالي الحاسوب والمراقبة لتطبيق قوانين الحدود، فضلا عن الاستعانة بالأقمار الاصطناعية والرادارات الجد متطورة التي تسمح بالكشف عن كل الاختراقات غير القانونية للحدود الأوروبية على مدار الساعة وبغض النظر عن أحوال الطقس السائدة، ولقد وجهت العديد من الانتقادات لهذه الأسوار الافتراضية بسبب عدم فعاليتها وتكلفتها الإنسانية والمالية العالية، ويرى المعارضون أنه كان من الأجدى لهذه المبالغ الكبيرة من الأموال المستثمرة في بناء الأسوار المادية أو الافتراضية بين الأمم لمنع تدفقات المهاجرين غير النظاميين، أن تنفق على دعم التنمية في بلدان المنشأ ومعالجة الجذور العميقة لظاهرة الهجرة غير النظامية، كما عملت أوربا على بناء القدرات في بلدان ثالثة، من خلال اتفاقيات وشراكات ثنائية، وذلك في إطار ما عرف بـ «إخراج مراقبة الحدود خارج محيط الاتحاد الأوربي»، وتجريم الهجرة غير النظامية من خلال القوانين التنظيمية والبرامج العملية، بما في ذلك تشجيع احتجاز المهاجرين غير النظامين داخل وخارج أراضي الاتحاد الأوربي، وتمويل مراكز الاحتجاز في بلدان الاتحاد الأوربي وبلدان العبور ، كما أن استمرار التركيز على النهج الأمني يفسر إلى حد كبير استمرار رفض دول الاتحاد الأوربي التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990 والتي دخلت حيز التنفيذ في سنة 2003 بينما وقعتها العديد من البلدان المتوسطية الأخرى .
يتبع………….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *