تابع…….سلسلة : آية سياسة مغربية للحد من ظاهرة الهجرة نحو دول الاتحاد الأوربي : إسبانيا نموذجا

بقلم الدكتور : عبد العزيز موهيب
دكتور في القانون
الفقرة الثانية: البعد الحقوقي
تتميز السياسة الأوروبية لمحاربة ظاهرة الهجرة بغياب النهج القائم على الحقوق، لأنه لا توجد هناك آلية مستقلة للرقابة يمكن تطبيقها بسهولة من أجل ضمان امتثال كافة البرامج والمؤسسات الأوربية المعنية بالهجرة امتثالا كاملا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك على الرغم من وجود بعض الآليات التي قد تتدخل لضمان امتثال الممارسة الأوربية في هذا المجال لقوانين حقوق الإنسان، كوكالة الاتحاد الأوربي للحقوق الأساسية ومحكمة العدل الأوربية، إلا أن ما يلاحظ على عمل هاتين الآليتين هو أن الأولى دورها استشاري فقط ينحصر في توفير مشورة الخبراء في مجال حقوق الإنسان إلى الاتحاد الأوربي، في حين أن الآلية الثانية – محكمة العدل الأوربية، وإن كانت تضطلع بدور هام في مجال تحديد السياسات المتعارضة مع المعايير الدنيا لحقوق الإنسان، إلا أن عملها بطيء وطويل الأمد، أضف إلى هذا أنه لا توجد رقابة أو تقييم منتظم لمدى انسجام سياسات دول الاتحاد الأوربي منفردة أو السلطات الوطنية المكلفة بتنفيذ قانون الاتحاد الأوربي بخصوص الهجرة مع هذه المعايير والقواعد الإنسانية. غبر أن الملاحظ هو أن هناك غياب واضح لنهج قائم على الحقوق في إدارة قضية الهجرة غير النظامية من طرف أوروبا، بحيث أن هذه الإدارة لم تنجح في تكريس الاهتمام الكافي بحماية حقوق هؤلاء المهاجرين، وعليه فإن الاتحاد الأوربي الذي تمتلك العديد من دولة تقاليد قانونية محلية فريدة توفر حماية قوية لحقوق الإنسان للمهاجرين النظاميين على مستوى حرية الانتقال والإقامة وظروف العمل لا تقل عن حقوق مواطني الاتحاد الأوربي، لكن في مجال سياسات الهجرة غير النظامية غالبا ما تطغى جداول الأعمال الأمنية وتتفوق على حقوق الإنسان الأساسية ومعايير سيادة القانون .
لقد أدخل الاتحاد الأوربي في العقود الأخيرة قضية الديمقراطية واعتبارات حقوق الإنسان في نسيج علاقاته مع الخارج، بحيث باتت الاتفاقيات الأوربية التجارية وغير التجارية، والمساعدات التقنية والتنموية، والحوارات السياسية، وغيرها من الأدوات مشروطة باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وعليه، إذا أقدم بلد على مخالفة تلك المبادئ فإن المفاوضات معه بشأن اتفاقية معينة أو إبرامها يجري تعليقها.
غير أن سياسة الاتحاد الأوربي الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان تعيش حاليا تخبطا واضحا، بحيث لم تعد أوربا تمتلك الجرأة السياسية اللازمة لتطبيق ما يعرف بـ شريطة «الديمقراطية» و«بند حقوق الإنسان» المنصوص عليهما في العديد من اتفاقيات الشراكة والجوار، إذ يلاحظ أن العديد من بلدان الشراكة الأوربية تعامل بأساليب مختلفة على الرغم من أن سجلاتها على صعيد حقوق الإنسان والديمقراطية متماثلة ومتشابهة، فعادة ما يتم تفعيل هذا الاشتراط السياسي» تجاه الدول الفقيرة والهامشية وذات الأهمية الضئيلة بنظر الاتحاد الأوربي أو إحدى الدول الأعضاء فيه، بينما تعفى منه الدول الأخرى المهمة، باستثناء بعض التوجيهات والبيانات والاكتفاء بالتعبير عن القلق إزاء التطورات غير الديمقراطية في هذه الدول دون المبادرة إلى اتخاذ تدابير عقابية ضدها. ولقد تعزز هذا التخبط والتناقض أكثر في السنوات الأخيرة التي شهدت تراجعا نسبيا في الدعم الأوربي لقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقاته الخارجية، وذلك بفعل ظهور متغيرات جديدة في البيئة الدولية خلال العقد الماضي، ومنها الأزمة الاقتصادية العالمية التي عززت من هذا التراجع ودفعت بالاتحاد الأوربي إلى الاهتمام أكثر بأوضاعه الداخلية. كل ذلك يفسر إلى حد كبير سبب تفضيل الاتحاد الأوربي لمبدأ «دعم الاستقرار» على مبدأ «إرساء الديمقراطية»، وهو ما ساهم في بقاء سقف الحريات والحقوق منخفضا في العديد من دول المنطقة تحت مرأى ومسمع الدول الأوربية ذاتها .
المطلب الثاني: إستراتيجية تعامل المغرب مع ظاهرة الهجرة
لعقود من الزمن كان المهاجرون يتدفقون من المغرب في اتجاه واحد نحو أوروبا، لكن الوضع تغير حاليا وصار عدد المغاربة المهاجرون من بلدهم ينخفض، في حين يرتفع عدد المهاجرين إلى المغرب، فقد أصبح مقصد الأفارقة والعرب (كالمصريين مثلا) والأسيويين (كالصينيين مثلا ) بشكل خاص، بل وحتى الأوروبيين والأتراك، ومن العوامل المسببة لتفعيل نظام الهجرة حول العالم عامل الفقر الذي ينتج عنه عدم إعالة الفرد لأسرته، إضافة لنشوب الصراعات المحلية وغياب الأمن، كلها دوافع شخصية تدفع الناس إلى الهجرة، بحثا عن العمل، أو التماسا للحماية عبر اللجوء في بلد ومكان آخر، وكلها أسباب تتأرجح وتدور في مجملها بين واقع وظروف دولة مصدر المهجر نفسه وبجانبها ، فللهجرة علاقة مباشرة بالخارج، بسبب سياسات جاذبة للمهاجرين ، لذلك تنهج المملكة المغربية سياسة تراعي في أساسها الأبعاد ذات طبيعة قانونية وسياسية وحقوقية ( الفقرة الأولى)، والتي تجعل من المغرب شريكا رئيسيا في التصدي لظاهرة الهجرة على الصعيدين الدولي والإقليمي ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أبعاد سياسة المغرب في التصدي لظاهرة الهجرة
مما لاشك فيه أن الموقع الجيو-استراتجي للمغرب قد جعله نقطة انطلاق والتقاء ومحور عبور بالنسبة للمهاجرين القادمين من دول الجنوب، وهو ما جعله في وضعية لا يحسد عليها بالنظر لالتزاماته الدولية بناء على الاتفاقيات والعهود التي صادق عليها .
ذلك أن زيادة حجم الهجرة إلى أوربا عبر بلدان المغرب العربي قد تؤدي إلى تحول هذه المنطقة إلى بلدان استقرار للمهاجرين الأفارقة كما أن التعاون المغاربي الأوربي لم يؤد إلى نتائج فعالة لإيقاف الهجرة غير الشرعية حتى الآن. وبالنظر لكون ظاهرة الهجرة غير القانونية وتهريب الأشخاص أخدت أبعادا متعددة، فإن الحاجة أضحت جد ملحة لتدخل السلطات العمومية لوضع سياسات تتلاءم والوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بتنسيق مع الجمعيات المهتمة والمتخصصين في هذه الظاهرة مع إشراك جمعيات الجالية المغربية بالخارج اعتبارا للتراكمات والتجارب المعاشة إلى جانب التنسيق مع الدول المجاورة في إطار التعاون الدولي تحت إشراف المنظمات الدولية المهتمة بظاهرة الهجرة وحقوق الإنسان، لذلك يمكن القول بأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست مسألة ظرفية، بل مكونا هيكليا مازالت السياسات والآليات المستخدمة إلى حد الآن غير قادرة على تدبيره بشكل يحد من أثاره وانعكاساته السلبية سواء على بلدان المصدر والمنبع أو البلدان المستقبلة لهذه الهجرة .
إن دراسة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وفق رؤية استشرافية وشاملة تتطلب البحث في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية؛ وإشراك المهاجرين في البرامج الاجتماعية الموجهة لصالحهم؛ والسماح للمهاجرين بتكوين جمعيات تتولى الدفاع عن مصالحهم، واعتماد مقاربة تشاركية بين جمعيات المهاجرين وجمعيات المجتمع المدني في وضع وصياغة البرامج والمشاريع ذات الطابع الإنساني المعدة لفائدتهم. وانخراط الجمعيات المحلية في المساعدة والحماية للمهاجرين بغض النظر عن وضعهم القانوني، وفي سياق التعامل الإيجابي مع الظاهرة، يجب التأكيد على ضرورة تفعيل عمل مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية من خلال تقوية تدخل مصالحها اللاممركزة على مستوى العمالات والأقاليم في إطار سياسة القرب وتقوية قدرات العاملين في هذا الحقل للتعامل مع ظاهرة الهجرة بما تتطلبه من حزم ومسؤولية، هذا إلى جانب إحداث مراصد جهوية للهجرة تأخذ على عاتقها وضع الاستراتيجيات العمومية حسب ظروف وخصوصيات كل جهة على حدة والتي يمكن أن تشكل إطارا لرصد ومراقبة التدفقات الهجروية بمختلف الجهات وآلية للتعامل عن قرب مع الظاهرة. كما تؤكد على ضرورة الإسراع بتفعيل المتعلقة بإحداث اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج من أجل تحقيق الالتقائية بين السياسات العمومية الكفيلة بالنهوض بأوضاع الجالية المغربية بالخارج والمساهمة في بلورة وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية في مجال الهجرة، هذا على أساس أن تتولى الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة إعداد السياسة الحكومية في مجال الهجرة والمساهمة في إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية الكفيلة باحترام حقوق وواجبات المهاجرين واللاجئين وأفراد عائلاتهم وإقرار الظروف الموضوعية لمعالجة كافة الجوانب التي تهم تدبير ملف الهجرة واللاجئين .
ويتضح أن المملكة المغربية قد قطعت على نفسها العزم لتطوير مقاربتها في التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل يضمن حماية المصالح العليا للبلاد في تناسق مع القوانين الدولية التي تكفل حماية المهاجرين ومعاملتهم باحترام ووفقا للقانون، وقد استطاع المغرب من خلال الإصلاحات التي تم اتخاذها في مختلف الميادين أن يتبوأ المكانة المحترمة لدى الدول خصوصا بعد التوجيهات الملكية التي أعلن فيها جلالة الملك عن عدة تدابير تروم حماية حقوق المهاجرين ووضع التشريعات الكفيلة بتجاوز الاختلالات والنواقص التي تعتري القوانين الحالية، وفي هذا تعبير واضح على التزام المغرب بمواصلة جهوده الرامية إلى تمتيع المهاجرين بكافة حقوقهم . لذلك، فإن وجب التنويه بالتدابير التشريعية والسياسية التي اعتمدتها المملكة، لاسيما إقرار دستور 2011 الذي أكد على سمو ومكانة الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون المحلي، وإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والقطاع الوزاري المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ومجلس الجالية المغربية بالخارج، فضلا عن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج من شأنها تعزيز دور ومكانة المغرب كراع لحقوق العمال المهاجرين خصوصا إذا تم التنسيق بين هذه الأجهزة وإدماج بعضها ضمن اللجنة الوزارية المشار إليها آنفا اعتبارا لدور بعضها وتخصصه في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. كما وجب التأكيد على أهمية الإجراءات التي تعزز مكانة المغرب في مجال حماية حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المهاجرين بصفة خاصة في أفق بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء خاصة على مستوى كل من وضعية مهاجري جنوب الصحراء والضمانات القانونية الممنوحة للأجانب
يتبع………….