الخبرة القضائية في المادة الجبائية بالمغرب بين النص القانوني والعمل القضائي -دراسة تحليلية- تتمة عبد العزيز موهيب دكتور في الحقوق

الدكتور عبدالعزيز موهيب دكتور في القانون
…وحيث إن المحكمة وأمام عدم توفرها على العناصر الضرورية للبت في القضية أمرت بإجراء خبرة حسابية استنكف الطرف المدعي عن إيداع صائرها المسبق رغم توصله بالإشعار بواسطة مكتب الضبط بتاريخ 2011/11/17.
وحيث إنه وطبقا لمقتضيات الفصل 56 من قانون المسطرة المدنية فإنه يتعين التصريح بعدم قبول الدعوى.”
والجدير بالذكر أنه وبمجرد توصله بأمر الانتداب لإجراء خبرة يستدعي الخبير جميع أطراف النزاع ووكلائهم للحضور، ويتضمن هذا الاستدعاء تحديد تاريخ ومكان وساعة إنجازها وذلك بخمسة أيام على الأقل قبل الموعد المحدد لها، ولا يباشر مهامه إلا بحضورهم أو بعد التأكد من توصلهم بالاستدعاء بصفة قانونية ما لم تأمر المحكمة بخلاف ذلك لتوفر حالة استعجال ، ويضمن في محضر أقوال الأطراف وملاحظاتهم ويوقعون معه على المحضر مع وجوب الإشارة إلى من رفض منهم التوقيع، وإرفاق هذا المحضر بالتقرير القضائي المنجز ويباشر الخبير المهام المكلف بها من طرف القاضي تحت المراقبة الفعلية لهذا الأخير، الذي له الحق في الأمر بإرجاع التقرير إلى الخبير قصد إتمام المهمة متى تبين أنه غير مستوفي للنقط الفنية والعلمية المأمور بها. وفي جميع الأحوال تتم مناقشة تقرير الخبرة، حيث تبلغ المحكمة أطراف النزاع بتاريخ جلسة المناقشة بواسطة طرق التبليغ المحددة قانونا، فإذا لاحظ القاضي أن تقرير الخبير لم يجب على النقط المحددة في الأمر القضائي أرجعه إلى الخبير لإتمام ما شابه من نقصان، كما يمكنه إما بشكل تلقائي أو بطلب من أحد الأطراف استدعاؤه لحضور الجلسة التي سيستدعي لها أيضا جميع الأطراف لتقديم الإيضاحات والمعلومات اللازمة والتي توضع في محضر يوضع رهن إشارة الأطراف .وهي مقتضيات تكاد تنطق مع ما ورد بالمادة 283 من قانون الإجراءات الفرنسي:
« Si le juge ne trouve pas dans le rapport les éclaircissements suffisants, il peut entendre l’expert les parties présentes ou appelées »
إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل الاجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها، عينت القاضي بدون استدعاء للأطراف خبيرا آخر بدلا منه وأشعرت الأطراف فورا بهذا التغيير.
بصرف النظر عن الجزاءات التأديبية، يمكن الحكم على الخبير الذي لم يقم بالمهمة المسندة إليه أو رفضها بدون عذر مقبول بالمصاريف والتعويضات المترتبة عن تأخير إنجاز الخبرة للطرف المتضرر، كما يمكن الحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة.
وإذا احتاج الخبير أثناء قيامه بمهامه إلى ترجمة شفوية أو كتابية تعين عليه اختيار ترجمان من بين المدرجين بالجدول أو الالتجاء إلى القاضي. يمكن للخبير أن يتلقى على شكل تصريح عاد كل المعلومات الضرورية مع الاشارة إلى مصدرها في تقريره عدا إذا منعه القاضي من ذلك.
والملاحظ أن المشرع يلزم الخبير باحترام مبدأ الحضورية أو الوجاهية خلال عمليات تنفيذ الخبرة، ويظهر ذلك من صيغة الوجوب الواردة في الفصل63 من ق م م، حيث إنه اعتبره التزام من النظام العام. وذلك لأن في حضور الأطراف ووكلائهم مراقبة مباشرة لإجراء الخبرة، كما أن الخبير قد يستعين بتصريحاتهم كلما احتاج الأمر ذلك، وقد اعتبرت محكمة النقض في أحد قراراته أن ” الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية يكتسي صبغة آمرة ويتعلق بحقوق الدفاع يجب احترامه مهما كانت طبيعة الخبرة، ولهذا تكون المحكمة قد خرقت النص المذكور عندما بررت عدم استدعاء الأطراف لحضور الخبرة الطبية بكونه شخصا عاديا لا يمكن له القيام بأي دور في موضوع الخبرة التي تستند على معلومات وأجهزة طبية هي في متناول الخبير وحده” .
وحتى يضفي مشرع قانون المسطرة المدنية المزيد من الضمانات القانونية لفائدة الطرفين نص على إمكانية سلوك مسطرة تجريح الخبير إذا توفرت شروطها، حيث خول الفصل 62 من ق م م هذا الحق لمن له المصلحة في تقديم طلب التجريح، وحدد الأمد الزمني للبت في هذا الطلب، بحيث يتعين تقديمه داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعين الخبير، وتبث المحكمة فيه داخل خمسة أيام من تاريخ تقديمه، ولا يقبل هذا المقرر أي طعن إلا مع الحكم البات في الجوهر ، وفي ذلك ضمانة قوية لحقوق الدفاع المقررة لأطراف النزاع بغية المحافظة على مصالحهم وصيانتها من احتمال غياب عنصر الحياد لدى الخبير، أو عدم أهليته التقنية لمباشرة المهمة المنوطة به، فتجريح الخبير المقصود به تنحيه عن المهمة التي أنتدب إليها، حتى يأتي رأيه بعيدا عن مظنة التحيز ومحاباة خصم على حساب خصم آخر، وبعيدا أيضا عن دافع الحقد أو الانتقام لكي تكون خبرته موضع طمأنينة للخصوم وللمحكمة كذلك عند الاستعانة بها، وعموما فقد حدد قانون المسطرة المدنية حالات التجريج على سبيل الحصر وهي :
• إذا كان بينه وبين أحد أطراف الدعوى نزاع.
• إذا عين لإنجاز الخبرة في غير مجال اختصاصه.
• إذا سبق للخبير القضائي أن أدلى برأيه أو بشهادة في موضوع النزاع.
• إذا كان الخبير القضائي في مركز إستشاري لأحد أطراف النزاع.
• إذا كان هناك سبب خطير آخر يعهد بتقدير قيمته لمحكمة الموضوع.
ونرى أنه من خلال هذه الصياغة يكون المشرع قد تجاوز بعض الملاحظات التي وجهت للمادة 62 من قانون المسطرة المدنية قبل التعديل والتي كانت تكتفي بالقول إنه: ” لا يقبل التجريح إلا للقرابة القريبة أو لأسباب خطيرة أخرى، ومن جهة أخرى نوه بعض المهتمين بمجال الخبرة القضائية بالمبدأ الذي كرسه التعديل الجديد حينما خول إمكانية إثارة الخبير القضائي لأسباب التجريح تلقائيا بمجرد العلم بها، وهو ما يبرز حياد ومصداقية الخبير، وينعكس إيجابا على تسريع وتيرة البت في الملفات المعروضة على أنظار القضاء .
ومن جهة أخرى نشير أن عدم تقديم طلب تجريح الخبير خلال المرحلة الابتدائية لا يسقط الحق في إثارة مسألة توفره على الشروط المتطلبة أمام محكمة ثاني درجة وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض التي قضت “…حيث إن عدم التجريح في الخبير في المرحلة الابتدائية لا يحول دون إمكانية إثارة الطاعنة مسألة توفر الخبير المنتدب على الشروط المتطلبة لإجراء الخبرة في مثل نازلة الحال وضرورة تحقق المحكمة من ذلك وإعمال تلك المقتضيات وهي باستبعادها للدفع المذكور تكون قد خالفت القانون وعرضت قرارها للنقض” .
وللتوضيح فإن هذا القرار لا يتعارض مع الفقرة الأخيرة من الفصل 62 من ق م م التي تحدد أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبير لمن له المصلحة لتقديم طلب التجريح، لأن الأمر في القرار أعلاه يتعلق بإثارة عدم توفر الشروط القانونية في الخبير ولا علاقة له بالتجريح، الذي ينبغي لقبوله احترام الاجل القانوني وإلا اعتبر كأن لم يقدم والمحكمة غير ملزمة في مثل هذه الحالة بالجواب على الطلب المذكور، وقد قضت بذلك محكمة النقض التي جاء في إحدى حيثياتها “…لكن حيث إنه ولما كانت الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل 62 ق .م .م تنص على أنه. يتعين تقديم طلب التجريح داخل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبرة وكان الثابت من وثائق الملف أن الإدارة بلغت بمقرر تعيين الخبير بتاريخ 06/03/2009 ولم تتقدم بطلب التجريح إلا 15/07/2009 أي خارج الاجل أعلاه فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لم تكن ملزمة بالجواب على الطلب المذكور لعدم تقديمه طبقا للقانون مما يجعل قرارها غير خارق للمقتضى المحتج بخرقه والوسيلة على غير أساس “.
وفي كل الأحوال تبقى المحكمة ملزمة بالرد على الاعتراضات التي تتسم بالجدية ردا قانونيا مقنعا .